
ارتبط مفهوم العنف بمفاهيم أخرى من ذلك: القوة، القدرة، السلطة، الثورة، الحرب. لذلك فالعنف هو السلوك الذي يتضمن معاني التوبيخ واللوم، كما أن هذا السلوك قد يكون عبارة عن قول أو فعل، مثل الضرب والشتم والإيذاء الذي قد يكون باليد أو اللسان. جاء في موسوعة لالاند الفلسفية بأن العنف هو: " الاستخدام غير المشروع أو على الأقل غير القانوني للقوة".([2])
في اللغة الإنجليزية نعني بالعنف الاستعمال الغير مشروع للقوة وآلياته متعددة؛ الهدف منه هو إلحاق الأذى سواء بالأشخاص أو الإضرار بالممتلكات. إذن هو كل تدمير وتخريب وتعذيب وخسائر فهو نقيض الهدوء، أي إرغام الآخرين على اتخاذ اتجاه أو موقف لا يريدونه ولولا العنف ما قاموا به، كما أنه ذو طابع فردي أو جماعي. مما يعني أن العنف رمزي ومادي، الأول يكون عن طريق العزل والوسم بالعار ونشر الأوهام بواسطة الإيديولوجيا، والثاني يقصد به إلحاق الضرر على المستوى الفيزيائي، مثل القتل والاغتيال، الضرب... والعنف الرمزي من شأنه أن يؤدي إلى العنف المادي. "وعلى العموم، لا يختلف معنى العنف في هذا النوع عن معناه الثاني وهو: انتزاع المطالب بالقوة، وإكراه الآخر على التنازل عنها أو الاعتراف بها بوسائط يتكبد خسائر من جراء استعمالها."([3]) يمكن توضيح العنف الرمزي أكثر من خلال الانفتاح عن ما قاله عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (2002 1930) الذي تحدث عن عنف غير فيزيائي، عنف رمزي يُمارس من خلال الأجهزة الإيديولوجية التي تخترق المجتمعات وتخترق نفسية الإنسان.
هذا العنف الرمزي يمكن القول إن صح التعبير حسب بورديو بأنه عنف لطيف غير محسوس وغير مرئي بالنسبة لضحاياه، هو عنف يمارس عبر التواصل والتلقين المعرفي، كما يتم عبر قنوات مؤسسات المجتمع من خلال الإعلام والمدارس واللغة والجامعات... يبدو أن العنف تتعدد مظاهره فهو يمارس بأشكال متنوعة. إن العنف كذلك سلوك انفعالي غريزي وهو نزوع طبيعي مشارك بين الحيوان والإنسان. فكما تتجذر العدوانية في النوع الحيواني، فإنها أيضا غريزة في طبع الإنسان مما يجعل من العنف، واقعة تاريخية ملازمة للتجمعات الحيوانية والمجتمعات الإنسانية على حد سواء.
تتجسد أشكال العنف في عالمنا المعاصر من خلال انتشار كل أنواع القتل والتعذيب والإبادة الجماعية؛ استبداد الأنظمة الشمولية والإعدامات السياسية والجريمة المنظمة وقطع الألسن، وسلخ الجلود وقطع الرؤوس وحرق الأجساد وإذابتها، والتهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل؛ وغيرها من المظاهر. كما لا ننسى مساهمة التكنولوجيا الحديثة والتقدم العلمي الذي طور وسائل العنف المادي حيث نلاحظ بأن المجال العلمي والتقني قد تحول إلى مجال إنتاجي للأدوات والوسائل التقنية المتطورة من أجل ممارسة العنف فقد تم تسخير المعرفة من أجل القتل والتدمير والخراب وفرض الهيمنة والسيطرة. إن تطور البشرية صاحبه تطور على مستوى تقنيات ووسائل ممارسة العنف الفردي والجماعي، لدرجة تجعلنا نجزم بالقول إن تاريخ البشرية لم يكن سوى تاريخ تطوير الأدوات والوسائل لممارسة العنف.
شاهد الفيديو
لقد ازدادت حدة العنف في المجتمعات المعاصرة فهو واقعة تاريخية لا يكاد يخلو منها مجتمع. نخلص مما سبق إلى أن العنف، سواء كان عنفا ماديا أو رمزيا فهو في نهاية المطاف يؤدي إلى التدمير والفتك للذات وللجماعة والقضاء على كل ما أنتجته الحضارة الإنسانية عبر تاريخها.
بالإضافة إلى أنه يترك آثار سلبية على نفسية الإنسان، ويُخلد في ذاكرة الأفراد خاصة أولئك الذين يتعرضون له بشكل مباشر، حيث يولّد الإحساس الدائم بعدم الاستقرار وانعدام الأمن. يقضي على الثقة بين الأطراف وعلى التماسك المجتمعي؛ زيادة على ذلك فعدم الاستقرار السياسي بشكل أو بآخر يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، أما من الناحية الاجتماعية فهو يترك الفوضى والتفكك ويجعل الإنسان يتقبل ثقافة العنف على أساس أنه الحل الوحيد للتغيير.