أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 الأكثر قراءة

العنف السياسي والتطور التقني

العنف السياسي والتطور التقني

اهتمت الفلسفة السياسية عبر تاريخها بقضايا متعلقة بواقع الإنسان تبحث عن الحقيقة والحقيقة في الفلسفة السياسية ترتبط أشد الارتباط بالأحداث والوقائع، فواقعية الحقيقة هي ما جعلت العنف موضوع التفكيرفي لفلسفة السياسية، ولمعرفة عمق العنف عموماً و العنف السياسي على وجه الخصوص ينبغي التخلص من البداهة والمقاربات التي تعتبر العنف ظاهرة هامشية. وفر التطور التكنولوجي للعنف كل الأدوات التدميرية التي لم تشهدها الإنسانية من قبل، فمع حلول القرن العشرين تطورت وسائل العنف بشكل عام والعنف السياسي بشكل خاص، هذا الأمر جعل نظرة الإنسان تتغير سواء إلى ذاته أو إلى علاقته بالغيرِ وبالعالمِ.

إن كل ما وصل إليه الإنسان يستطيع بلمحة بصر أن يدمره بمباركة التطور التقني الذي أبدع وتفنن فيه، فهذا الجهاز التقني باستطاعته تدمير الإنسان هذا الأخير يبني ولكنه في نفس الوقت يدمر كل المكتسبات الإنتاجية، وحده القادر على تدمير عالمه وإنتاجاته، نظراً لأنه ميال إلى الهيمنةِ لذلك أنشأ قدرة تدميرية بغية السيطرة على العالم ومحو إنسانية الإنسان.هذه التحولات على المستوى التقني لها عدة تأثيرات على جميع المستويات الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية، جعلت الكائن البشري يتساءل وينتقد ويفحص ويحلل الأحداث والوقائع سواء التي وقعت في الماضي أو التي تحدث الآن. وبالتالي الفكر السياسي المعاصر أصبح النقاش فيه حول قضايا: الحرب، السلطة، الثورة، الإرهاب، الإبادة ...

يعتبر العنف السياسي من بين الموضوعات التي شغلت الفكر السياسي أو الفكر الإنساني بشكل عام، وكل تفكير في العنف غرضه إنهاء العنف أو التخفيف منه، بغض النظر عن منبع العنف ومبرراته والجهة التي تمارسه فلا بد من إدانته، فهو أداة قاصرة ومحدودة وأهدافه غير عادلة، وأي شيء حققه هذا العنف لا يعتبر إنجازاً حضارياً. لقد هددت عدة مخاطر الإنسان المعاصر، لذلك ينبغي بناء رؤية سياسية جديدة وزيادة الإهتمام بالإنسان وكرامته وتحقيق مطالبه والإعتناء بحقوقه بدل اللجوء إلى القوة والصراع وممارسة سياسة التهميش والإقصاء والعزل والترهيب.

يتم التفكير في العنف من أجل الحد منه، ومقاومة عنف العالم وعنف الآخرين، فالإنسان الفاعل هو الذي يحد من المآسي البشرية، ويفتح إمكانية بناء الذات، وعدم إقصاء الآخر الذي يشبهنا ويختلف عنا في نفس الوقت أيضا منح الإنسان الحرية في المشاركة السياسية الفعالة، واحترام التعددية داخل الفضاء العمومي. إلا أن الغرض من هذه التدوينة ليس التطرق للعنف السياسي وعرضه فقط، بل نبحث عن البديل، نريد عالم تغمره السعادة وتنتشر فيه القيم النبيلة والنيرة، وبالتالي لا بد من التصدي للعنف بكافة أشكاله والقضاء عليه؛ بتعزيز قيم الديمقراطية.يشكل العنف السياسي تهديدًا خطيرًا على استقرار المجتمعات وتطورها، كما أنه يؤثر بشكل كبير على النظم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو يدمر المؤسسات الديمقراطية وبالتالي لا يستطيع المواطنين المشاركة الفعالة في الأمور التي تنظم حياتهم، فهذا الأخير أي العنف السياسي يؤدي إلى عدة انقسامات منها ما هو اجتماعي وآخر عرقي وأيضا على المستوى الديني. بالإضافة إلى خلق مشاكل بيئية وتدمير البنية التحتية إنه بصفة عامة يدمر الاقتصاد والخدمات الأساسية.

إن العلاقة التي تجمع التطور على المستوي التقني بالعنف السياسي هي وطيدة، لقد ساهم التطور التقني في تفاقم ظاهرة العنف عن طريق صناعة أسلحة جد متطورة وفتاكة، كما أن التكنولوجيا الحديثة يتم استخدامها في عملية المراقبة والتجسس، بل أحيانا كثيرة يتم الترويج للجماعات المتطرفة من خلال استخدام هذه التكنولوجيا. وبالتالي تصبح وسيلة للقمع والوقوف في وجه المعارضين وقيم حقوق الإنسان، كثير من الحكومات تفرض رقابة صارمة على المستوى السياسي مما يساهم في حدوث توترات سياسية. كما أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يتم استغلالها لتعزيز السيطرة والرقابة. لذلك ينبغي استخدام التكنولوجيا لأغراض نبيلة لا أداة قمعية، بل أداة لمكافحة العنف وتعزيز الأمن والسلام وقيم حقوق الإنسان.
شاهد الفيديو 


سعيدة مهير
سعيدة مهير